الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فلان يلحقه مع غير الفصل أولى نحو: {لا تصيبنّ} وزعم الزمخشري أنّ الجملة صفة وهي نهي قال وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول كأنه قيل {واتقوا} فتنة مقولًا فيها {لا تصيبنّ} ونظيره قوله: أي بمذق مقول فيه هذا القول لأنّ فيه لون الزّرقة التي هي معنى الذئب انتهى.وتحريره أن الجملة معمولة لصفة محذوفة وزعم الفرّاء أن الجملة جواب للأمر نحو قولك: إنزل عن الدابة لا تطرحنّك أي إن تنزل عنها لا تطرحنكّ، قال: ومنه: {لا يحطّمنّكم سليمان} أي إن تدخلوا لا يحطمنّكم فدخلت النون لما فيها من معنى الجزاء انتهى، وهذا المثال بقوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} ليس نظير {واتقوا فتنة} لأنه ينتظم من المثال والآية شرط وجزاء كما قدر ولا ينتظم ذلك هناك ألا ترى أنه لا يصحّ تقدير إن تتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة لأنه يترتب إذ ذاك على الشرط مقتضاه من جهة المعنى وأخذ الزمخشري قول الفرّاء وزاده فسادًا وخبط فيه فقال وقوله: {لا تصيبن} لا يخلو من أن يكون جوابًا للأمر أو نهيًا بعد أمر أو صفة لفتنة فإذا كان جوابًا فالمعنى إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم انتهى.تقرير هذا القول فانظر كيف قدّر أن يكون جوابًا للأمر الذي هو {اتقوا} ثم قدّر أداة الشرط داخلة على غير مضارع {اتقوا} فقال فالمعنى إن أصابتكم يعني الفتنة وانظر كيف قدّر الفراء في أنزل عن الدابة لا تطرحنك وفي قوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} فأدخل أداة الشرط على مضارع فعل الأمر وهكذا يقدر ما كان جوابًا للأمر وزعم بعضهم أن قوله: {لا تصيبنّ} جواب قسم محذوف، وقيل {لا} نافية وشبه النفي بالموجب فدخلت النون كما دخلت في لتضربنّ التقدير: والله: {لا تصيبن} فعلى القول الأوّل بأنها صفة أو جواب أمر أو جواب قسم تكون النون قد دخلت في المنفى بلا وذهب بعض النحويين إلى أنها جواب قسم محذوف والجملة موجبة فدخلت النون في محلها ومطلت اللام فصارت لا والمعنى لتصيبنّ ويؤيد هذا قراءة ابن مسعود وعلى وزيد ان ثابت والباقر والربيع بن أنس وأبي العالية لتصيبن وفي ذلك وعيد للظالمين فقط وعلى هذا التوجيه خرّج ابن جنّي أيضًا قراءة الجماعة {لا تصيبن} وكون اللام مطلت فحدثت عنها الألف إشباعًا لأن الإشباع بابه الشعر، وقال ابن جني في قراءة ابن مسعود ومن معه يحتمل أن يراد بهذه القراءة {لا تصيبنّ} فحذفت الألف تخفيفًا واكتفاء بالحركة كما قالوا أم والله.قال المهدوي كما حذفت من ما وهي أخت لا في قوله أم والله لأفعلنّ وشبهه انتهى وليست للنفي، وحكى النقاش عن ابن مسعود أنه قرأ فتنة أن تصيب، وعن الزبير: لتصيبنّ وخرّج المبرّد والفراء والزجاج قراءة {لا تصيبنّ} على أن تكون ناهية.وتمّ الكلام عند قوله: {واتقوا فتنة} وهو خطاب عام للمؤمنين تم الكلام عنده ثم ابتدئ نهي الظلمة خاصة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة وأخرج النهي على جهة إسناده للفتنة فهو نهي محول كما قالوا لا أرينّك هاهنا أي لا تكن هنا فيقع مني رؤيتك والمراد هنا لا يتعرض الظالم للفتنة فتقع إصابتها له خاصة، وقال الزمخشري في تقدير هذا الوجه وإذا كانت نهيًا بعد أمر فكأنه قيل واحذروا ذنبًا أو عقابًا ثم قيل لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب من ظلم منكم خاصّة، وقال الأخفش {لا تصيبنّ} هو على معنى الدعاء انتهى والذي دعاه إلى هذا والله أعلم استبعاد دخول نون التوكيد في المنفي بلا واعتياض تقريره نهيًا فعدل إلى جعله دعاء فيصير المعنى لا أصابت الفتنة الظالمين خاصّة واستلزمت الدعاء على غير الظالمين فصار التقدير لا أصابت ظالمًا ولا غير ظالم فكأنه {واتقوا فتنة}، لا أوقعها الله بأحد، فتلخص في تخريج قوله: {لا تصيبن} أقوال الدعاء والنهي على تقديرين وجواب أمر على تقديرين وصفة.قال الزمخشري، (فإن قلت): كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر، (قلت): لأن فيه معنى التمني إذا قلت إنزل عن الدابة لا تطرحك فلذلك جاز لا تطرحنك ولا تصيبن ولا يحطمنكم انتهى، وإذا قلت لا تطرحك وجعلته جوابًا لقولك إنزل وليس فيه نهي بل نفي محض جواب الأمر نفي بلا وجزمه على الجواب على الخلاف الذي في جواب الأمر والستة معه هل ثم شرط محذوف دل عليه الأمر وما ذكر معه معنى الشرط وإذا فرعنا على مذهب الجمهور في أن الفعل المنفي بلا لا تدخل عليه النون للتوكيد لم يجز أنزل عن الدابة لا تطرحنّك، وقال الزمخشري، (فإن قلت): ما معنى من في قوله: {الذين ظلموا منكم خاصّة}، (قلت): التبعيض على الوجه الأول فالتبيين على الثاني لأن المعنى لا تصيبكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم منكم أقبح من سائر الناس انتهى، ويعني بالأول أن يكون جوابًا بعد أمر وبالثاني أن يكون نهيًا بعد أمر وخاصة أصله أن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي إصابة خاصة وهي حال من الفاعل المستكن في {لا تصيبنّ} ويحتمل أن يكون حالًا من الذين ظلموا أي مخصوصين بها بل تعمهم وغيرهم، وقال ابن عطية ويحتمل أن تكون خاصة حالًا من الضمير في ظلموا ولا أتعقل هذا الوجه.{واعلموا أن الله شديد العقاب} هذا وعيد شديد مناسب لقوله: {لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة} إذ فيه حثّ على لزوم الاستقامة خوفًا من عقاب الله لا يقال كيف يوصل الرحيم الكريم الفتنة والعذاب لمن لم يذنب، (قلت): لأنه تصرّف بحكم الملك كما قد ينزل الفقر والمرض بعبده ابتداءً فيحسن ذلك منه أو لأنه علم اشتمال ذلك على مزيد ثواب لمن أوقع به ذلك. اهـ.
وإما جوابُ قسم محذوفٍ كقراءة من قرأ: لتصيبن وإن اختلف المعنى فيهما، وقد جُوِّز أن يكون نهيًا عن التعرض للظلم بعد الأمرِ باتقاء الذنبِ فأن وبالَه يصيب الظالمَ خاصةً ويعود عليه ومِنْ في منكم على الوجوه الأُوَلِ للتبعيض وعلى الأخرين للتبيين، وفائدتُه التنبيهُ على أن الظلمَ منكم أقبحُ منه من غيركم {واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشِرْ سببَه. اهـ.
|